إني الآن أبوح بعد أن شنق البوح صمتي , وتوالت شروخ أعماقي وأبت إلا أن
تنزف دماً وإنها لذكريات ولكن لا تزالترسباتها في أعماقي , وما كنت لأكتبها
لولا الذي أيقضها فأبكاني ,, وسأبتدئبأيامي من أولها .. لا لأنهامن الأحزان
جاءت بل لأنها منالأحزان انتهت فبالأمس وقبل أن تنطفئ قناديل الأمل من
سماء حياتي وقبل أن تحرق نار الفراق أحشائي كنت كالنحلة قرب أمي لا أتذوق غير رحيقها ولا أهفو إلا إلى ضوئها أينما شع ... كنت لها أغرودة الحياة
وكانت لي نعمة الوجود فمن تذوق مرارة موت الأم ومن أستطعم بطعم اليتيم ومن تقاذفته أمواج الخوف وانتحرت طفولته وطمست معالمها الهموم وبات لا يعرف بحضن من يختبئ .. لقد مات أمي وتوارت تحت الثرى فبكيت فراقها
وفقدت حنانها ودفء أحضانها وعذوبة مناداتها فأقبلت بوجهي علىالأحزان أجوب خضم الحياة القاسية صامتة يحتويني الاحتراق ويثقلني الانكسار في زمن حب الذات ,,, لقد كانتأمي هي الدنيا والنعيم الذي يملأ شعوري ... كانت
هي ذروة كل سعادتي .. فيا لهفي عليها والموت ينزعها فيا عزاء نفسي كيف تندمل جراحات اليتيم .. لقد أحسست بأني نبذت من الوجودلأن الوجود هو أمي .. أحسستبأن طفولتي ذهبت إلى عالم آخر غير الذي ألفته .. فحزنت حتى
تقرّحت مشاعري وتألمت حتى أشفق الألم .. لكن مشيت في الحياة خطوة خطوة وتجرعت كأس الألم قطرة قطرة ورضيت بما كتبه الله لي منشتات
أحزاني في قاع أعماقيوهربت بها عن أعين البشر اجوب فيافي النسيان وقفار السلوى .. فقد علمتني الحياة الشموخ عند الشدة والصمود في وجه المحن ... علمتني الحياة أن لا أبوح إلا إلى قلمي ولاأستعين إلا بخالقي ..