لمحةٌ أدبية ...

بواسطة : حمود الصاهود
بتاريخ : 2012-06-06 13:13:18

في مشوارِ الأدبِ الطويلِ ،

قد يأخذ شاعرٌ متأخرٌ فكرةَ شاعرٍ متقدمٍ ، وهذا كثيرٌ جداً.


لكن القليل هو أن يتفوق الشاعر المتأخر في توظيف البيت،

فيظهر البيت ويشتهر عند الناس ، ويختفي بيت الشاعر المتقدم في بطون الكتب مع أنه الأصل...

نجد هذا المعنى في مطلع لامية الشنفرى (الشاعر الجاهلي)

بعد أن حدث له اختلاف مع أهله وقبيلته رحل عنهم أو طردوه، ومع أنه هو الراحل عنهم نجدهُ يقول لهم:

أَقِيْمُوا بني قومي صُدُورَ مَطِيِّكُمْ ... فإني إلى قَوْمٍ سِوَاكُمْ لأَمْيَلُ

فَقَدْ حُمِّتِ الْحَاجَاتُ والَّلْيلُ مُقْمِرٌ ... وشُدَّتْ لطَيَّاتٍ مَطَايا وأَرحُلُ

وفي الأرْضِ مَنْأىً للكريم مِن الأذى ... وفيها لمَن خافَ القِلَى مُتَعزَّلُ

مع أن الشنفرى هو الراحل عن القوم ، يقول لهم أقيموا بني قومي صدور مطيكم ، أي جهّزوا خيولكم ومطايكم وحاجاتكم للرحيل
فجعلهم هم الراحلين عنه وليس العكس.


ثم جاء شيخنا أبو الطيب المتنبي في العصر العباسي وهو المتأخر بالنسبة للشنفرى، وأخذ هذه الفكرة ووظفها جيداً فقال في ميميتهِ المشهورة:

إذا تَرَحّلْتَ عن قَوْمٍ وَقَدْ قَدَرُوا

أنْ لا تُفارِقَهُمْ فالرّاحِلونَ هُمُ.

يعني إذا رحلت عن قومٍ وهم باستطاعتهم أن يمنعونك من الرحيل، فلا تحزن فإن الرحلون هم وليس أنت،
حتى لو كنت أنت المسافر فإنهم هم الرحلون لأنهم خسروا إنساناً عظيماً وهو أنت.

فاشتهر بيت المتنبي وهو المتأخر على بيت الشنفرى وهو المتقدم...


بالأمس القريب كنتُ أسمع للشاعر المعاصر المبدع أحمد بخيت قصيدته الرائعة ( قمرٌ جنوبي ) في رثاء أبيه ويصف كيف أن أباه قريب منه، لكنه بنفس الوقت أبعد ما يكون لأنه في القبر فيقول:

يا نائياً عني بمترٍ واحدٍ ... الآنَ وسَّعتَ المسافةَ بيننا

فتذكرتُ بيت الشاعر القديم أبي الحسن التهامي في رثاءِ ابنهِ فيقول:

والشرقُ نحوَ الغرب أقربُ شُقّةً * من بعدِ تلكَ الخمسةِ الأشبارِ

قد يكون: ما أشبه الليلة بالبارحة...

إلى اللقاء .

الديوان لمحةٌ أدبية ...
al-d1.com